صحيفة “نيويورك تايمز” تنشر مقالاً تناولت فيه الإحراج الغربي الذي خلفه التعاطي بمعايير مزدوجة مع حربَي أوكرانيا وغزة.
تحت عنوان: “العالم النامي يسلط الضوء على ازدواجية معايير الغرب في غزة وأوكرانيا “، كتب نيل ماك فاركوهار في صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً تناول فيه الإحراج الغربي الذي خلفه التعاطي بمعايير مزدوجة مع حربَي أوكرانيا وغزة.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
على مدار 20 شهراً، حاولت إدارة بايدن تبرير حربها على روسيا من باب أخلاقيات الحرب، ودانت حربها على أوكرانيا لتسببها بقتل المدنيين عشوائياً.
لاقى هذا النهج صدًى في الغرب، لكن بشكل أقل في أجزاء أخرى من العالم، التي نظرت إلى الحرب باعتبارها صراعاً بين قوى عظمى، ورفضت المشاركة في فرض العقوبات على روسيا أو عزلها بأي شكل من الأشكال.
اليوم، يُخشى أن يخلق بايدن بدعمه غير المشروط لقصف “إسرائيل” قطاع غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 4300 شخص منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر (حتى تاريخ كتابة المقال) رياحاً جديدة تعاكس جهوده لكسب الرأي العام العالمي.
وفي حديثه من المكتب البيضاوي، ربط الرئيس بايدن بين الدعم الأميركي لأوكرانيا وذاك المقدم لـ “إسرائيل”، واصفاً كلا الطرفين بأنهما ديمقراطيتان تقاتلان أعداءً مصممين على “إبادتهما بالكامل”.
لكن الهجوم المضاد الذي شنته “إسرائيل” على غزة، وتهديداتها بشن غزو بري، واحتضان أميركا الفاضح لأهم حليف لها في الشرق الأوسط، كل ذلك كان سبباً في اتهامه بالنفاق.
مثل هذه الاتهامات ليست جديدة تماماً في الصراع في الشرق الأوسط. لكن ديناميات الأزمات المزدوجة تجاوزت رغبة واشنطن في حشد الدعم العالمي لعزل روسيا ومعاقبتها على غزو جارتها.
على نحو متزايد، تبرز منطقة الشرق الأوسط كجبهة متجددة في الصراع على النفوذ في “الجنوب العالمي” وهو الاسم الذي يُطلق على الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ما يضع الغرب في مواجهة روسيا والصين.
وقال كليفورد كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، وهي منظمة لتقييم المخاطر مقرها نيويورك: “إن الحرب في الشرق الأوسط ستؤدي إلى دق إسفين بين الغرب ودول مثل البرازيل أو إندونيسيا، وهي دول متأرجحة رئيسية في الجنوب العالمي”. وهذا سيجعل التعاون الدولي بشأن أوكرانيا، مثل فرض العقوبات على روسيا أكثر صعوبة.
ودان جوكو ويدودو، رئيس إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، والتي لا تعترف بـ “إسرائيل”، دان “الظلم المستمر ضد الشعب الفلسطيني”. وأضاف أن حرب غزة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع العالمي، مما يهدد بارتفاع أسعار النفط بعد أن أدت حرب أوكرانيا قبلها إلى تباطؤ صادرات القمح.
وانتقد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إمدادات الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا ووصفها بأنها “تشجع” الحرب، لكنه ألقى باللوم على الجانبين في الصراع وعرض التوسط. وقامت البرازيل، بصفتها رئيسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الشهر، بصياغة مشروع قرار طالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، لكنه دان أيضاً “الهجمات التي تشنها حماس”.
وبعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار لأنه لم يذكر “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، أعرب سفير البرازيل لدى الأمم المتحدة، سيرجيو فرانسا دانيز عن إحباطه. وأضاف: “لا يمكن لمئات الآلاف من المدنيين في غزة الانتظار أكثر”. في الحقيقة، لقد انتظروا لفترة طويلة جداً”.
وانتقد القادة العرب ومن بينهم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، ووزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في خطاباتهم في قمة القاهرة للسلام ما وصفوه بالمعايير المزدوجة.
وقال الملك عبد الله: “في أي مكان آخر، فإن مهاجمة البنية التحتية المدنية وحرمان السكان عمداً من الغذاء والماء والضروريات الأساسية هو أمر مدان ويستتبع المساءلة. إن القانون الدولي يفقد كل قيمته إذا تم تطبيقه بشكل انتقائي”.
وانتقد الفلسطينيون العواصم الغربية لعدم تعبيرها عن غضبها من قصف غزة على غرار وصفها الهجمات الصاروخية الروسية على المدن والبنية التحتية الأوكرانية بأنها “همجية” و”جرائم ضد الإنسانية”.
وقال نور عودة، المعلق السياسي الفلسطيني المقيم في رام الله، إنه عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا لأول مرة، ابتهج الفلسطينيون بالموقف الصارم الذي اتخذته العواصم الغربية ضد دولة تحتل أراضي دولة أخرى. لكن يبدو أن الاحتلال يكون سيئاً فقط إذا قام به طرف من غير حلفائك”.
من ناحية أخرى، اعتُبر الصراع في غزة بمثابة نعمة للكرملين، حيث حجب الأضواء عن الحرب الأوكرانية وصقل صورة روسيا في الشرق الأوسط والجنوب العالمي. في السنوات الأخيرة، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استعادة بعض نفوذ الاتحاد السوفياتي المفقود في الشرق الأوسط، فتدخل عسكرياً في الحروب الأهلية في سوريا وليبيا. كما عزز بشكل كبير علاقاته مع إيران، الدولة التي تعدها “إسرائيل” تهديداً للأمن القومي.
ويُنظر إلى الدعم الروسي لحماس على أنه امتداد لهذه الجهود، حيث شبه بوتين حصار غزة بحصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية، وهو رمز روسي مقدس.
وتسعى الصين أيضاً إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، حيث توسطت مؤخراً في اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية لاستعادة العلاقات. ورفضت روسيا والصين إدانة حماس. بدلاً من ذلك، انتقدتا معاملة “إسرائيل” للفلسطينيين، وخاصة قرارها بقطع المياه والكهرباء عن غزة وعدد القتلى المدنيين هناك. وقد دعتا إلى الوساطة الدولية ووقف إطلاق النار.
لقد ازدهرت القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة في الجنوب العالمي، وبالتالي فإن حرب غزة لم تؤدِ إلا إلى زيادة الاستياء في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية من تعامل الغرب مع أوكرانيا كحالة خاصة لأنها حرب أوروبية. فهم ينفقون الكثير من المال لتسليح أوكرانيا بينما يتم تجاهل أهداف التنمية الدولية.
وفي هذا السياق، قالت هانا نوت، محللة الشؤون الأوروبية الآسيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في برلين إن هناك تصوراً بأن الغرب “يهتم أكثر باللاجئين الأوكرانيين وبمعاناة المدنيين الأوكرانيين أكثر مما يفعل عندما يعاني الناس في اليمن وغزة والسودان وسوريا”.
ويساعد هذا المسار في توضيح سبب فشل الغرب في جذب دول مثل الهند وتركيا لدعم العقوبات ضد روسيا. ونظراً للوضع في غزة، من غير المرجح أن ينجح هذا الجهد في أي وقت قريب.
وقال ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة: “إنها خسارة كبيرة للدبلوماسيين الغربيين الذين بذلوا الوقت والجهد هذا العام في محاولة لاجتذاب الجنوب العالمي”. لقد شهدنا تراجع الدعم والاهتمام بأوكرانيا بين أعضاء الأمم المتحدة على مدار هذا العام”.
وفي أوروبا، استعر النقاش إلى حد كبير على وسائل التواصل الاجتماعي حيث انتقد بعض المعلقين أوروبا بسبب النفاق الذي يمكن استنتاجه من ازدواجية معاييرها في التعامل مع حربي أوكرانيا وغزة في حين امتنع الكثير من السياسيين عن التعليق بشكل مباشر.
وكتب كارل بيلدت، رئيس الوزراء السويدي السابق، على منصة أكس/ تويتر سابقاً أن معظم العالم يرى معايير مزدوجة في السياسة الغربية بشأن الحربين. وكتب: “سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، نحن مجبرون على التعامل معه”.
وهناك دلائل على حدوث ذلك بالفعل. فقد قال جوزيب بوريل فونتيل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي إن قطع إمدادات المياه يعد انتهاكاً للقانون الدولي بغض النظر عن مكان حدوثه. وأضاف: “من الواضح أن حرمان مجتمع بشري تحت الحصار من إمدادات المياه الأساسية يتعارض مع القانون الدولي سواء حدث ذلك في أوكرانيا أو في غزة”.
رابط الخبر : https://www.almayadeen.net/press